بعد فترة من الهدوء الحذر، عاد الشرق السوري إلى الاشتعال التدريجي، عبر محاور صراع متعددة، بدءاً من استئناف المقاومة استهداف القواعد الأميركية، وصولاً إلى استعادة تركيا نشاط طائراتها المُسيّرة واستهداف «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد). ويجيء ذلك، فيما تنتظر الأخيرة، بدورها، فرصة لاستثمار الموقف، عبر دعوات مباشرة وجّهها قائدها، مظلوم عبدي، إلى زيادة تمويل قواتها من قبل الإدارة الأميركية المشغولة في الوقت الحالي بدعم إسرائيل، وتحصين مواقعها غير الشرعية في سوريا.وعاودت فصائل المقاومة، خلال اليومين الماضيين تكثيف هجماتها، بعدما هدأت وتيرة عملياتها في الشهرين الفائتين، سواء في سوريا، أو حتى في العراق. وفي السياق، تؤكد مصادر ميدانية سوريّة، في حديث إلى «الأخبار»، أن المقاومة قامت بتنفيذ هجمات طاولت قواعد أميركية عدّة في الشرق السوري، بينها قاعدة «خراب الجير» المقامة ضمن مطار زراعي سوري، شمال شرقي الحسكة، حيث طاولت الاستهدافات «مخازن أسلحة وهنغارات خاصة بالآليات»، وفقاً للمصادر التي أشارت إلى أن «استنفاراً أمنياً كبيراً تشهده المنطقة، وسط تعتيم إعلامي كبير». وتمكّنت المقاومة من تحقيق إصابات مباشرة، في ظلّ أنباء عن سقوط قتلى من قوات «قسد» التي تكلفها واشنطن مسؤولية حماية قواعدها غير الشرعية في المنطقة الشرقية. كذلك، طاولت الاستهدافات القاعدة الأميركية في كل من حقلي العمر (القرية الخضراء) وكونيكو، علماً أن الأخيرة تتضمّن مقراً لقيادة عمليات طائرات الاستطلاع، وأنظمة مضادة للطائرات المُسيّرة، ومركزاً لإدارة عمليات القوات الأميركية والحرب الإلكترونية.
واللافت في الهجوم الجديد استعمال الصواريخ من مناطق حدودية وتحقيق أهداف مباشرة، على عكس الاستهدافات التي كانت تُنفذ باستخدام الطائرات المُسيّرة أو مزيج من الطائرات والقذائف الصاروخية بغية تشتيت القدرات الدفاعية الأميركية، بالإضافة إلى انسحاب منفذي الهجوم من موقع العملية بهدوء، وسط أنباء متضاربة حول الآلية التي تمّ من خلالها الانسحاب. ففي الوقت الذي نقلت فيه وكالة «رويترز»، عن مسؤول أميركي لم تسمّه، أن مقاتلة أميركية قامت باستهداف عربة إطلاق الصواريخ التي كانت تتمركز في بلدة زمار العراقية الحدودية مع سوريا، ذكرت «خلية الإعلام الأمني العراقي»، أمس، أن قوات الأمن عثرت، غرب محافظة نينوى قرب الحدود العراقية - السورية، على الآلية التي أُطلقت منها الصواريخ، وأن منفّذي الهجوم غادروا المنطقة بعد أن أحرقوها، ما يعني أن الآلية لم يتم استهدافها من قبل القوات الأميركية، بحسب المزاعم.
ويأتي ذلك بعد أيام من تنفيذ تدريبات مكثفة من قبل القوات الأميركية، وفق ما ذكرت مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار». وأفادت المصادر بأنه «بعد ارتفاع مستوى التوتر بين إسرائيل وإيران، استقدمت الولايات المتحدة إمدادات عسكرية جديدة، بينها أجهزة رصد وتتبّع، كما قامت ببدء تنفيذ خطة وقائية قامت بإعدادها بهدف التصدي لأي هجمات قد تحدث، بالإضافة إلى منع وقوع إصابات في صفوف قواتها». ودفعت هذه الخطة، بحسب المصادر، إلى «زيادة الاعتماد على مقاتلي "قسد" لتغطية النقص الحاصل في نقاط حراسة وتأمين القواعد في عدد من النقاط المكشوفة»، وهو ما قد يفسر الخسائر البشرية في صفوف «قسد» جراء هذا الهجوم.
يأتي نجاح المقاومة في استهداف القواعد بعد أيام من تنفيذ تدريبات مكثفة من قبل القوات الأميركية


ومنذ العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وما تبعه من توتر كبير في المنطقة، «تعمل "قسد" على تكثيف نشاطها للخروج بأكبر استفادة ممكنة من هذه الظروف»، وفقاً للمصادر التي تشير إلى أن «ثمة محاولات حثيثة تجريها قيادتها لتحصيل دعم أميركي إضافي، بالإضافة إلى محاولة الدفع ببعض قواتها لإجراء تدريبات على أسلحة نوعية، بينها مضادات طيران»، وهو ما قوبل برفض أميركي. ويستبطن هذا الأمر سببَ نشر شائعات تتحدّث عن إنشاء قوات متخصّصة بالدفاع الجوي تابعة لـ«قسد»، نفت المصادر صحتها، مؤكدة أن «خطوة كهذه من شأنها أن تزيد اشتعال المنطقة، خصوصاً من قبل تركيا التي ستعتبر ذلك تهديداً مباشراً لها، واختراقاً للاتفاق غير المباشر المبرم مع واشنطن، والذي يسمح للطائرات التركية بالتحرك بحريّة فوق مناطق سيطرة الأكراد في الشرق السوري، وتنفيذ استهدافات مباشرة للبنى التحتية». والجدير ذكره، هنا، أن أنقرة عاودت تنشيط التكتيك الذي اعتمدته أخيراً، باستهداف البنى التحتية لـ«قسد»، خلال الأيام القليلة الماضية، عبر استهداف محطة نفطية قرب منطقة القحطانية في ريف القامشلي شمال شرقي الحسكة، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من الاستهدافات في محيط منطقة عين العرب، شرقي حلب.
ويتساوق ما تقدّم مع تصريحات عبدي، إلى موقع «المونيتور» الأميركي، بعيد العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، والتي طالب فيها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بزيادة الدعم المالي للأكراد، معتبراً أن تراجع المستوى المعيشي يساهم في زيادة مخاطر عودة تنظيم «داعش». وقال عبدي: «يجب أن نتلقّى دعماً مالياً أكبر بكثير من حلفائنا، لكنّ العكس هو ما يحدث، حيث تتقلص الأموال أكثر، وتصميم التحالف على هزيمة داعش يضعف أكثر»، مطالباً باعتراف الولايات المتحدة بـ«الإدارة الذاتية» (المناطق التي تسيطر عليها قسد والممتدّة من الشرق السوري وصولاً إلى الرقة). وأضاف أن «تنظيم داعش يستغل نقاط الضعف الناجمة عن رفض الولايات المتحدة الاعتراف رسمياً بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، على الرغم من التحالف بين الولايات المتحدة وقسد».